المساهمات : 145 تاريخ التسجيل : 10/06/2011 العمر : 28
موضوع: ما السر في صنع الطهاة الأجبان بأنفسهم ؟ الجمعة يونيو 10, 2011 10:51 pm
ليس هناك طريقة أبسط من ذلك لإعلان هذه الحقيقة: أن الأجبان بحاجة لعناية فائقة - تماما مثل النجم الذي يطلب تناول أفخر أنواع المأكولات، ومدلك متخصص في علاج الأمراض عبر تقويم العمود الفقري يدويا، وغرفة خاصة خلف المسرح مجهزة بشموع تطلق روائح الفانيليا.
يحتاج إعداد الجبن إلى بيئة على درجة عالية من النقاء والنظافة، حيث يتعين تطهير جميع الأسطح لضمان خلوها من الجراثيم. ويجب تطهير جميع المعدات المستخدمة على نحو أشبه بما تخضع له تلك الموجودة داخل غرف العمليات. أما باقي المواد الغذائية والأدوات فيجب إبقاؤها بعيدا عن المنطقة بأكملها. أيضا، يجب عدم استخدام ملاعق خشبية، ذلك أن أيا من هذه العناصر الخارجية بمقدوره إفساد خثارة الجبن.
وربما يستمر هذا الاهتمام الفائق لأسابيع. ويتطلب الجبن القديم بيئة باردة - لكن ليست شديدة البرودة - وعلى درجة عالية من الرطوبة. وتحتاج بعض أنواع الجبن لرشها على الأسطح كي تكتسب مظهرا أبيض أرقش، وتحتاج هذه الأنماط إلى التقليب المستمر لضمان أن تأخذ القشرة الخارجية بأكملها منظرا متناسقا جميلا. إذا فشلت في أي من هذه المهام، أو غيرها، فإن الأمر قد يتحول إلى كابوس. وإذا أخفقت في التعامل مع الجبن بالصورة الملائمة، فإنه ربما يصيبك بالمرض.
لذلك، فإنه من غير المثير للدهشة أن نجد بعض كبار الطهاة ممن لا يعانون من الخيلاء والاعتزاز المفرط بالذات، يتركون مسألة صناعة الجبن للمتخصصين؟ فلماذا يتعين عليهم الاضطلاع بهذا المجهود الشاق بينما يمكنهم اللجوء إلى متخصصين ينتجون بالفعل أنواعا رائعة من الجبن؟ عن ذلك، أوضح إريك زيبولد، الطاهي لدى مطعم «سيتي زين»: «إننا نصنع العناصر التي نتقن صنعها. وهناك من يصنعون الجبن أفضل مني بكثير».
والواضح أن هذا التوجه يسود مطابخ واشنطن، حيث يلجأ الطهاة إلى الأسماء البارزة بمجال إنتاج الجبن، سواء في فرنسا أو بنسلفانيا. وإذا عثرت في طريقك على أنواع من الجبن مصنوعة داخل المطاعم، فإنها عادة ما تكون طازجة، مثل جبن «بانير» الموجود في مطعم «باسيدج تو إنديا» في بيثيسدا أو جبن «فورماج بلانك» في مطعم «مارسيلز» بضاحية فوغي بوتوم بواشنطن. عن ذلك، قال روبرت ويديمر، مالك المطعم وكبير الطهاة به: «إنها عملية تستهلك وقتا كبيرا، لكنها ممتعة».
وربما يحمل وصف «ممتعة» قدرا من المبالغة بالنسبة لعدد صغير من الطهاة الذين أطلقوا برامج حرفية خاصة بهم لإعداد الجبن، بينهم جوني مونيس بمطعم «كومي» وكبير طهاة المعجنات برنتون باليكا في مطعم «بوربون ستيك». أثناء وقوفه داخل المطبخ القائم بالدور الثاني من مطعم «ليبرتي تافرن» بمنطقة «كليرندون»، اعترف الطاهي ليام لاسيفيتا أن إعداد الجبن ليس من الأمور السارة التي يمكن القيام بها يوميا، مشيرا إلى أنه حتى الجبن الطازج يحتاج إعداده لوقت طويل وصبر، ولذلك ائتمن أحد الطهاة الماهرين العاملين تحت قيادته على هذه المهمة.
وبرر ذلك بقوله: «يتملكني السأم سريعا، وأحب دوما الانتقال لمهمة جديدة»، وهذا هو السبب وراء اقتحامه عالم صناعة الجبن، ثم تكليفه معاونه الطاهي ريكاردو دوفال بالقيام بالجزء الشاق من المهمة.
قطعا يعد دوفال الرجل المناسب للمهمة، حيث بدت عليه أمارات الجلد والصبر بينما وقف أمام إناء مليء بحليب الماعز، وشرع في تحريك الحليب مستخدما ملعقة معدنية كي يحول دون احتراقه، مع غمسه مقياس رقمي للحرارة داخل الحليب باليد الأخرى. وكان دوفال في انتظار وصول درجة الحرارة إلى 195 درجة كي يضيف خل عصير التفاح إلى الحليب وإنتاج خثارة لبن طازجة بحيث تضاف في النهاية على أطباق سباغيتي دي غراغنانو مع قطع من لحم كتف الحملان. ويعد هذا النوع من الجبن الأبسط من بين قرابة 10 أنواع ابتكرها لاسيفيتا داخل المطاعم الثلاثة التي يشرف عليها: «ليبرتي» و«ليون هول» و«نورث سايد سوشال»، وتقع جميعا بمنطقة كلاريندون.
أما النوع الأكثر تعقيدا فهو «ريكوتا سالاتا» المدخن، الذي يقدمه لاسيفيتا كجزء من طبق الجبن في مطعم «نورث سايد سوشال». وتتسم هذه الوصفة بطابع غير تقليدي يكمن في أن الطاهي لا يعيد تسخين مصل اللبن المأخوذ من حليب الماعز لخلق خثارة اللبن. بدلا من ذلك، يقوم الطهاة بتحميض الحليب، سواء كان مصدره بقرا أو ماعزا، باستخدام خل عصير التفاح وإحكام الضغط على ما ينتج عن ذلك من خثارة لبن لمدة يومين، ثم يملح اللبن لمدة سبعة أيام على الأقل، ثم توضع خثارة اللبن في مكان معزول يمكن التحكم في درجات الحرارة ومستويات الرطوبة به. وهذا المكان عبارة عن خزانة كانت تستخدم من قبل لتخزين الخمور داخل قبو مطعم «ليون هول». بعد قرابة أسبوعين، يجري تدخين «ريكوتا سالاتا» على البارد لمدة ساعة باستخدام العرعر وبعض أوراق شجر من فصيلة الجوز.
المعروف أن لاسيفيتا يتمتع بمهارة خاصة في إضافة نكهات مميزة لأطباقه العادية، وهي مهارة أضفاها أيضا على برنامجه لإعداد الجبن. مثلا، ينقع الطاهي أوراق من شجر الكستناء في بوربون «ميكرز مارك»، ثم تلف حول جبن الماعز الطازج، ثم يتم تخزينه لأسبوع. أيضا، يعد لاسيفيتا جبن ماعز بنكهة الكونياك وممزوجا بأعشاب بروفنس وحبات فلفل وردية اللون.
ومع ذلك، وبغض النظر عن مدى دقة الوصفة التي وضعها، يدرك لاسيفيتا أن ما يضفي على الجبن مذاقا مميزا هو مكونه الأساسي: الحليب. ويحرص لاسيفيتا على شراء الحليب من جمعية تعاونية في بنسلفانيا تنقل حليب الماعز المعقم إليه في غضون 24 ساعة من استخراجه من الحيوانات. وعلق لاسيفيتا على ذلك قائلا: «إنه طازج للغاية مما يجعل الجبن أفضل».
في مطعم «بوربون ستيك»، يشتري باليكا، طاهي المعجنات، حليب الأبقار والماعز من «تريكلينغ سبرينغز كريمري»، وهي جمعية تعاونية أخرى في بنسلفانيا، والتي تبيع الألبان المأخوذة من حيوانات تتغذى على العشب فقط. حتى في الشتاء، تتغذى الحيوانات على أعشاب مخزنة، حسبما أخبرني موظف بالجمعية. وتنتج هذه الأبقار التي تعيش على العشب الطبيعي نمطا من الحليب يمكن تمييزه بسهولة، حتى بعد تخثيره وضغطه وتمليحه وتخزينه في إطار البرنامج الطموح الذي صممه باليكا لإنتاج الجبن، والذي انطلق قريبا من داخل مطعم «مايكل مينا» في فندق «فورس سيزنز». ويحمل الحليب مسحة خفيفة من اللون الأصفر، وهي علامة مؤكدة على أن الحليب ينتمي لأبقار تغذت على العشب.
منذ أن ترك مطعم «آر إم سيفورد» في لاس فيغاس، أضاف باليكا بعضا من لمساته المميزة المرتبطة ببرنامج إعداد الجبن على قائمة الطعام للمناسبات الخاصة التي يعرضها زميله كبير الطهاة بالمطعم الجديد آدم سوبيل. وتشارك الجبن الطازجة التي يعدها باليكا في تورتة ريكوتا.
من بين الأطباق المميزة الأخرى الجبن الذي يعده باليكا المغطى بثلاث طبقات من الكريمة ونمطين من فيتا، والذي بدأ يكتسب شهرة الآن. ومن بين أنماط الجبن المميزة التي يعدها باليكا بالاعتماد على مزيج من الحليب البقري والكريمة شبيهة بجبن «كامامبير». داخل المطبخ الضيق في «بوربون ستيك»، بالقرب من مشواة تعمل بالخشب، وقف باليكا يستعرض مجموعة من قطع جبن «كامامبير» غير الطازجة لم يمر عليها سوى ثلاثة أسابيع في عملية التخمير. وقطع بالسكين بعض القطع ليكشف أجزاءها الداخلية التي ما تزال طباشيرية اللون. من الواضح أن القطع بحاجة لمزيد من الحفظ داخل حاوية طراز «ليكسان».
وقد لعبت حاويات «ليكسان» دورا مهما بالنسبة لباليكا، فعلى امتداد أسابيع، حتى افتتح «فور سيزنز» غرفة تخزين خاصة لباليكا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، اضطر الطاهي المتخصص في صنع المعجنات لتخزين الجبن الذي يعده في قبو الفندق المخصص لتخزين الخمور، حيث كانت درجة الحرارة مثالية، لكن هذا الأمر لم ينطبق على الرطوبة. وهنا، ظهرت فكرة الاعتماد على حاويات طراز «ليكسان»، حيث أوضح باليكا أنها تخزن الجبن في درجة رطوبة طبيعية، مما يوفر ظروفا مثالية لتخزين الجبن.
وإذا كانت الأجهزة التي اعتمد عليها باليكا في «ترطيب» الجبن بسيطة تقنيا، فإن الأخرى الخاصة بتسخين الحليب كانت على العكس تماما. وأضفت الأجهزة المتطورة التي اعتمد عليها الطاهي البارع عليه ميزة إضافية لم يكن ليحلم بها صانعو الجبن من أجيال سابقة، حيث تتولى أجهزة تدوير المياه والتسخين تنظيم درجة الحرارة للمستوى المطلوب تماما، الأمر الذي يريح الطاهي من عبء المراقبة المستمرة للحليب للتأكد من وصوله درجة الحرارة المناسبة لإضافة عناصر التخثر والنكهة. كما أن مواقد التسخين المتطورة تضمن عدم إحراق الحليب.
بالطبع، دور الحليب ينتهي عند هذا الحد، فهو لن يحول باليكا - أو لاسيفيتا، الذي يعتمد على أجهزة تدوير مياه في معالجة الحليب - إلى صانعي جبن مهرة بين عشية وضحاها، وهو ما لا يجد باليكا بأسا فيه. وتسيطر على باليكا الرغبة في استخدام أساليب كلاسيكية في إعداد الجبن. وتتسم الفكرة العامة لباليكا بالبساطة فهي تقوم على أن صناعة الجبن كانت دائما مثل النبيذ في اعتمادها على مجموعة واسعة من العوامل منها البيئة والتربة والمناخ، وأن الطابع المميز لإقليم معين يمر إلى الحليب عبر الحيوانات.
عن ذلك، قال باليكا: «ما أرغب في تحقيقه حقا هو إنتاج شيء يعبر عنا وعن المنطقة التي ننتمي إليها».
من ناحية أخرى، وفي هذه المرحلة من حياته المهنية بمجال صناعة الجبن، لم يصل جاستن أوينز بعد للمستوى الذي يؤهله للحديث بلغة الحريص على أن يعكس مذاق منطقة أو إقليم بعينه، وهو أمر يمكن تفهمه بالنظر إلى أنه ما يزال يتعلم المهنة. مثل لاسيفيتا وباليكا، علم أوينز نفسه كيفية صنع الجبن، لكن على خلاف الحال مع الطاهيين المخضرمين الآخرين، يتسم أوينز بأساس أضعف للبناء عليه. عمل أوينز في السابق في إطفاء الحرائق، لكنه ترك عالم الحرائق إلى عالم المطبخ الذي يمكن السيطرة على ألسنة لهيبه.
بدأ أوينز حياته في المطاعم منذ ثلاث سنوات عندما استعان به الطاهي البارز كاثال أرمسترونغ للعمل كنادل بمطعم «ريستورانت إيف»، لكن الموظف الجديد تميز بالفضول ولاحظ أن المطبخ يعد الجبن بنفسه. وعن ذلك قال: «شعرت بالإثارة حيال كيفية صنع الجبن. وبدأت في التجريب في المنزل».
وبجرأة رجل إطفاء، خاض أوينز تجارب إعداد الجبن متجاوزا أنواع الجبن البسيط الطازجة. وبالفعل، قام بتخزين أول جبن معتق يعده في جهاز تبريد مخصص للخمور، وهو بديل مناسب لمكان تخزين الجبن. وعلق أوينز على ذلك قائلا: «حتى وإن كان هذا المبرد ليس بمستوى جهاز (مونتري جاك) للتخزين، الذي كنت آمل الحصول عليه، فإن ذلك لا ينفي أنه كان جيدا. لقد كنت سعيدا بأن أحدا لم يسقط مريضا بسبب هذا الجبن».
ومنذ ذلك الحين، أجرى أوينز تجارب لإعداد مجموعة متنوعة من الجبن، بل وأعد «كامامبير» خاص به في المنزل، ثم طلب من أرمسترونغ تجريبه في المطبخ. وانتهى الأمر بوضع أنواع الجبن التي أعدها في قائمة الطعام الرئيسة بالمطعم.
ويمكن القول بأن أوينز يمثل الأمل الكبير أمام كاثال وزوجته ميشيل أرمسترونغ في إطار استعدادهما لافتتاح «سوسيتي فير»، وهي سوق أوروبية الطراز ستضم متجر جزارة ومخبزا ومتجرا لبيع الخمور وآخر لبيع الجبن، ومن المقرر افتتاحه في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وعلق أرمسترونغ بقوله: «إن المرء الذي يعثر في الحياة على المجال الذي يرغب حقا في امتهانه محظوظ للغاية. عندئذ لا يصبح العمل بصورته التقليدية، وإنما يصبح الذهاب إليه أشبه بنزهة الصبي في عيد الميلاد».
إلا أن أرمسترونغ مدرك لضرورة أن يتكيف أوينز مع الطبيعة المتقلبة لمجال صناعة الجبن. والمهمة الكبرى أمام أوينز هي وضع برنامج لإنتاج أنواع من الجبن عالية الجودة، وهو ما يتطلب بطبيعة الحال كثير من التدريب. وأوضح أرمسترونغ أنه: «لا نجري التجارب على عملائنا، وإنما نقصر تجاربنا على أنفسنا».